٨‏/٥‏/٢٠٠٧


إقَامَة مَمْلَكة الله
وَقرينَة ثالِثَة في قَوْلهمْ " وفقاً لـ .. "

الأمر المذهل فيما يتعلق بشأن تلك الإفادات والشهادات الموثقة ( الكتابات المعزوة إلى متى ومرقس ولوقا ويوحنا ) هو أن أيّاً منها ليست ظاهرة الصدق . ولا تحمل أي واحدة منها أي توقيع أو إمضاء أو علامة لمنشئها في تلك " الأصول " أو النسخ الأصلية المزعومة لها . إنهم الآن يفخرون بأن في حوزتهم أكثر من 500 نسخة أصلية ( مع أنه ) لا تتطابق أو تتماثل منها جميعاً نسختان ( لتزكي إحداهما الأخرى ) . أليس (
[1]) هذا أمراً محيراً ! ومن الغريب أيضاً أن المسيحيين أنفسهم يمايزون بين أناجيلهم بتدوين عبارة " الإنجيل وفقاً لرواية القديس متى " ، أو " الإنجيل وفقاً لرواية القديس لوقا " … الخ .
وعندما يسأل المسيحيون لماذا يتم تكرار تعبير " وفقاً لـ .. " في صدر كل إنجيل ، فإن الرد الفوري هو أنها ليست " أتوجرافية " وإنما يفترض فحسب أنها أُثرت عن أسماء الأشخاص التي تحملها الأناجيل اليوم ، ولقد حذف مترجمو الطبعة العالمية للإنجيل هذه " الوفقاً لـ " بدون أي اكثرات من الأناجيل الأربعة في أحدث ترجمة لها . ومن بين واضعي الإنجيل وياللعجب وهم متى ومرقس ولوقا ويوحنا يمكن القول بأن خمسين بالمئة منهم لم يكونوا من الأثنى عشر حوارياً المعروفين كحواريي عيسى عليه السلام .

قضية يتم الفصل فيها لدى أول جلسة :
ويمكن أن أقول – بكل تواضع – أن مثل هذه الوثائق التي لا تثبت لتمحيص تُنَحَّى جانباً في أية محكمة في أية دولة متحضرة خلال دقيقتين . وأكثر من ذلك فإن أحد الشهود المزعومين وهو القديس مرقس يخبرنا أنه في أحرج لحظات الموضوع ( أيام صلب المسيح المزعوم ) كان " كل " تلاميذه " قد خذلوه وهربوا " كما جاء بإنجيل مرقس ( 14 : 50 ) وسل صديقك المسيحي هل " كل " تعني " كل " ومهما تكن لغته سيقول لك : " نعم " .
لماذا إذن لا يتذكرون هذه الجملة الواردة في الإنجيل بكل لغة كتب بها الإنجيل ؟
وهكذا فإن من يزعمون أنهم كانوا " شهود عيان " للحدث لم يكونوا شهود عيان ، وإلا كان القديس مرقس كاذباً في روايته الإنجيلية . وأيضاً فمن المبنية على مثل هذا الدليل الهش تطرحها المحكمة جانباً مرتين في دقيقتين ، ولكن فكرة مُسلّماَ بها لدى المسيحيين طوال ألفي عام حتى الآن يتمثل فيها خلاص 1200 مليون مسيحي سوف تنهار . ولذا فإن الأمر يحتاج إلى حذر في التعامل معه أكثر وأكثر . وسوف " نفترض " أن شهادة متى ومرقس ولوقا ويوحنا صحيحة .

فمن أين نبدأ ؟
نبدأ من بداية مجرى الأحداث ! مطبقين ما جاء في أول سفر التكوين " في البدء … " بالضبط قبل 24 ساعة من تلك " الأحداث المفجعة ، عندما هبت العواصف ، وكسفت الشمس ، ووقع الزلزال ، وانشق الصخر ، وتمزقت ستائر المعبد من أعلاها إلى أسفلها ، وانشقت القبور لتمشي الهياكل العظمية في شوارع أورشليم " كما هو مأثور عن أولئك الشهود المسيحيين . يا له إذن من " سيناريو " يساوي مليون " دولار " ويحطم الرقم القياسي لدى إنتاجه " كفيلم سينمائي " !
ولا ينبغي لنا أن ننسى أن اليهود إنما هم في قفص الاتهام لأنهم متهمون بقتل عيسى المسيح ونحن المسلمون مُكلَّفون بالدفاع عنهم ضد اتهام المسيحيين ، لأن العدالة ينبغي أن تأخذ مجراها . ومهما تكن خطايا اليهود في تحريف كلام الله بالزيادة عليه والنقصان فيه ، فإن الله سبحانه وتعالى قد برأهم من تهمة قتل . المسيح غذ قال عز من قائل : ( وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً ) [ سورة النساء : 157 ] .

اللعب بورقة توهُّم الصلب :
لقد كان العالم المسيحي يضطهد ويطارد ويقتل أبناء عمومتنا اليهود على مدى حوالي ألفي عام ، بسبب جريمة قتل لم يرتكبوها . هل هي شروع في قتل ؟ .. يجوز لكنها ليست جريمة قتل . ويتخليصنا اليهود من جريمة قتل لم يرتكبوها ، فإننا نسحب الهواء من شراع أصحاب الأناجيل . وفي المعركة الدائرة حول قلوب وعقول البشر نجد توهّم الصَّلْب هو الورقة الوحيدة التي يلعب بها المسيحيون . حرِّرْه من هيامه وشغفه بها تكن قد حررت العالم الإسلامي من هوَس العدوان التبشيري .

حول المائدة :
ليلة العشاء الأخير كان عيسى وحواريُّوه الاثنا عشر يجلسون حول مائدة كبيرة مع مُضيفهم ، تلميذه الأثير ، الذي يتصادف أن اسمه يوحنا . وكانت أسماء يوحنا ويسوع أسماء شائعة بين اليهود ، حوالي عام 30 بعد الميلاد ، كما أن أسماء توم ، ديك ، جون ، جيمس شائعة الآن في القرن العشرين . كان هناك إذن أربعة عشر (
[2]) رجلاً ، يمكن لك أن تحصيهم حول المائدة . ولم يكونوا ثلاثة عشر رجلاً كما يصر المسيحيون على أنه كان عددهم ، مع أنه رقم شؤم لديهم .

المجيء إلى أورشليم :
لقد دخل عيسى عليه السلام مدينة أورشليم منتصراً انتصار الملوك وراءه حاشية فرحة متحمسة ، تساورها الآمال العريضة في إقامة " مملكة الله " ، جاء راكباً أتانا ليحقق النبوءة . " قولوا لابنة صهيون هو ذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان .. والجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق … والأغصان فرشوها على الطريق .. والجموع يصرخون ( أوصنا ) (
[3]) لابن داود .. مبارك الآتي باسم الرب . " أوصنا " في الأعالي " . ( إنجيل متى 21 : 5 – 9 ) .

مملكة السماء :
جاء بإنجيل لوقا : " أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامى " . ( لوقا 19 : 27 ) ويقول أيضاً " .. مبارك الملك الآتي باسم الرب . سلام في السماء ومَجْدُ في الأعالي " . ( لوقا 19 : 38 ) ويضيف يوحنا إلى ذلك أن الجمع الفرحان صـرح قائلاً : " أوصنا مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيـل " . ( يوحنا 12 : 13 ) .
ويقول أيضاً : " فقال الفريسيون .. انظروا إنكم لا تنفقون شيئاً . وهو ذا العالم قد ذهب وراءه " ( يوحنا 12 : 19 ) .
ويقول أيضاً : " الآن دينونة هذا العالم . الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجاً " . ( يوحنا 14 : 31 ) .
" منذا الذي سيقاوم هذا النصر الوشيك الذي يتلاعب كالخمر بالرءوس؟ لا غرو إذن أن يغري ذلك عيسى بأن يطرد أولئك الذين كانوا يبيعون ويشترون داخل المعبد ، وأن يقلب مناضد صيارفة النقـود وأن يطردهم خارجه ضرباً بالسوط كما روى يوحنا " ( يوحنا 2 : 15 ) .

ضربة وقائية :
كانت الإطاحة بسلطة اليهود على معبدهم حدثا ضخماً ، وكانت الإطاحة بالحكم الروماني لتحل محله مملكة الله أمراً إدّاً فياللأسى ! إن آماله الضخمة لن تتحقق . لقد انتهى العرض نهاية هزيلة ورغم هتافات " أوصنا " وهتافات التحية لابن داود " ملك إسرائيل " كان ذلك الأمل غير ناضج ، يلزم لنضوجه سنوات وسنوات .
لم يستطع يسوع أن ينجو من تهديد الفريسيين بالقضاء على تطاول تلاميذه . لقد أخطأ حساب المعركة . ويجب أن يدفع ثمن الفشل . إن أتباعه لم يكونوا مستعدين لأي تضحية رغم كل صياحهم الحماسي .

جدل يهودي :
احتج زعماء اليهود بأن هذا الرجل بمفرده قد خرب دولة . ولذلك فإنه من الملائم أن يموت رجل واحد من أجل أن تعيش الأمة ( كما جاء بإنجيل يوحنا 11 : 50 ) .
ولكن مع كل الصياح الهستيري المحيط به لم يكن من الملائم أن يتم اعتقال يسوع علنا . قرروا اعتقاله سراً ووجدوا في واحد من حوارييه هو يهوذا خائناً مستعداً أن يبيعه لهم في مقابل ثلاثين قطعة نقد فضية .

كان يهوذا متذمراً :
في نظر رجال الدين المسيحي ، أن الذهب هو الذي أغرى يهوذا لكي يقترف فعلته الوضيعة في الوشاية بيسوع . لكن حساسيته تجاه المال كانت بطبيعة الحال أكبر مما يصورها فيه رجال الدين المسيحي . وهو كمختص بالنواحي المالية للجماعة اليسوعية ، كانت لديه فرص بلا حصر لاختلاس بعض المال باستمرارية منتظمة . فلماذا إذن يجازف بكل هذا من أجل ثلاثين قطعة فضية ؟ وهناك ما هو أكثر من ذلك تلحظه العين . كان يهوذا مستاء من دخول يسوع المظفر إلى أورشليم ، تحيطه الصيحات الملتهبة تهتف حوله : " الآن حانت الساعة والآن يظهر ملك العالم – أنا سوف أحكم فيهم – أحضروهم هنا واسلخوا جلودهم أمامي " . ولقد غدا ليسوع الآن أقدام ثابتة . ولو تم استفزاز يسوع ، فإن رد فعله سيكون عبارة عن معجزات ، وسيجلب النار والحُمم من السماء على أعدائه وبالطبع سيستدعي كوكبة الملائكة ، التي كان يفخر بأنهم تحت تصرفه ليمكنوه وأتباعه من أن يحكموا العالم .
ومن اتصاله الوثيق بمعلمه ، كان يهوذا قد عرف أن يسوع كان رقيقا عطوفاً محباً للناس . ولكنه لم يكن مرائياً ممالئاً للناس متملقاً لهم ، لكن يهوذا لم يفهم الضربات القوية الملفوفة بالحرير ، التي كان يجيدها يسوع . ولكن لو عورض يسوع ، وأمكن استفزازه فإنه سوف يأتي بكل ما كان عنده .. وذاك هو ما كان يخطط له يهوذا .

وانكشف الخائن :
كشفت النظرات القلقة ، وأظهر السلوك المريب يهوذا للمسيح عليه السلام . ولم يكن بحاجة إلى الوحي الإلهي ليعرف الترتيبات الخاطئة بذهن يهوذا . وحول المائدة في الحجرة التي كانت بالطابق العلوي ، حيث يسوع وتلاميذه يتناولون العشاء الأخير لاحق يسوع يهوذا بقوله : " ما أنت تعمله فأعمله بسرعة أكثر " كما ورد بإنجيل يوحنا ( يوحنا 13 : 27 ) وشرع يهوذا يضع اللمسات الأخيرة على طعنته الغادرة في الظهر .
([1]) يحاول المسيحيون أن يشبهوا ذلك بوجود أكثر من ترجمة لمعاني القرآن الكريم ولكن يمكن الرد عليهم بأن أصل ترجمات القرآن واحد فضلاً عن أنه معجز . ( المترجم ) .
([2]) المسيح + 12 حورايّاً + المضيف صاحب البيت = 14 رجلاً . ( المترجم ) .
([3]) كلمة معبرة عن الفرح مثل : مرحى أو Hullo ( المترجم ) .
__________________________________________________
الإثم الفردي والغفران في تصور الكنيسة 3
:كما تكفل معجم اللاهوت الكاثوليكي ببيان ماهية هذا الإعتراف تحت مسمى سر التوبة ، مبيناً أنه يكون سراً بين الكاهن والخاطئ الذي يعترف بذنبه، مضيفا أنه :
بواسطة هذا السر يبعد الهلاك عن الإنسان ويمحي الفعل الذي به سلم الخاطئ لسلطان الشيطان ...
إن الندامة الباطنية التي أساسها الإيمان هي شرط مسبق ضروري لتتميم السر بصورة صحيحة وفعالة ... أن الاعتراف يجب أن يعم الخطايا الثقيلة كلها التي بعد فحص ضمير جدي يتعرف الإنسان إلى مسئوليته شخصياً في ارتكابها ويقر بذنبه . على هذه الخطايا وحدها يدور الاعتراف وأيضا على جنس الخطايا وعددها مع ما هناك أيضا من خطايا نسيت في إعتراف سابق ... أن الاعتراف تغطيه السرية التي تنبع من طبيعة السر ... ومنذ المجمع اللاثرانبي الرابع هناك واجب ، فرضته الكنيسة . واجب جذري بالاعتراف بصورة صحيحة مرة في السنة إذا ما تعرفنا إلى خطايانا الثقيلة وذنوبنا ... أن السلطان المعطي للكاهن يتضمن الحق والواجب بأن يفرض على التائب ـ حسب فطنته الروحية ـ تعويضا يوازي بشكل ما ثقل الخطيئة ومعطيات التائب الروحية ...
وأن أساس فرض هذه التوبة هو في أن غفران هذه الخطيئة المرتكبة بعد العماد لا يمحو ضرورة كل نتائج الخطيئة وعقوبتها ، بل عكس ذلك أن الإنسان بواسطة عقوبات الخطيئة التي لا بد منها والتي يتحملها بصبر وبواسطة نظام التوبة التي يقبلها بإرادته أو التي تفرض عليه ، يعني جدية العدل الإلهي وثقل الخطيئة ويدخل في أعماق مشاركة المسيح في آلامه … إن خادم سر التوبة هو الكاهن الذي ، لكي يعمل بصورة صحيحة بالسلطان السري المعطي له لغفران الخطايا . ( مادة سر التوبة )
ويتضح لنا من النص إن إعتراف المؤمن وتوبته في قانون الكنيسة ليسا كافيين للخلاص من الخطيئة الفردية ، فلا بد من تعويض يوازي خطيئته يفرضه الكاهن عليه اعتماداً على فطنته الروحية في تحديده . وللتعويض أهمية كبرى في الديانة المسيحية ـ فقد قرر علماؤها أن :
التعويض السري في سر التوبة هو جزء من هذا السر … ومن المهم أن يتم هذا التعويض السري بضمير ووعي ، كتعويض لما هدمته الخطيئة في الإنسان كتعويض مثلا لحب مجروح . لضرر أرتكب لصيت ثلب .. الخ .. فإذا لم نتمم التعويض السري بعد أن نكون قد أكدنا إرادتنا كلياً للتعويض يظل السر صحيحا إنما يجب أن نقوم بذلك التعويض متحملين نتائج الحقيقة الأليمة . ( معجم اللاهوت الكاثوليكي ، مادة التعويض)
أما لو امتنع المسيحي عن أداء التعويض الذي فرض عليه من قبل الكاهن ، فسيكون مصيره دخول المطهر بعد الموت مباشرة كمرحلة تطهيرية قبل يوم الدينونة ، هذا ما ذكره معجم اللاهوت الكاثوليكي بقوله :
الإنسان يخضع لهذه المرحلة التطهيرية إذ يموت مبررا بالنعمة بمقدار ما تكون حالة العقاب (المستحق) لا تزال موجودة فيه ولم تزول بزوال الخطايا بالغفران يوم التبرير ، وبمقدار ما بالإمكان أن تزيل هذه الحالة عقوبات تعويضه .
أما عن طبيعة هذه المراحل الصحيحة وعن مكان هذه العقوبات فليس لنا في الكتاب المقدس أي دليل … لا يجب أن تمنعنا كلمة المطهر من أن نجد كلمة أصح وأحسن لندل على هذه المراحل التي نوهنا عنها … التي تعني حرفيا النار المطهرة (مادة المطهر)
وهكذا استطاعت الكنيسة إرساء سلطانها على أتباعها، فلا بد لهم من طاعتها طاعة تامة ، فهي مؤسسة بأمر المسيح معصومة الرأس وقراراتها إلزامية ، مما أهلها لغفران خطايا رعاياها بحسب ما ترى ، وعلى المؤمن المسيحي إن أراد الخلاص من خطاياه الشخصية التقدم إلها مرة كل عام على الأقل ليعترف ويتلقى أمرها بتنفيذ التعويض .
وكأني بها تريد من كل فرد من أتباعها أن يدفع ضريبة للكنيسة لتتمكن من إدارة شئونها وتوسعة سلطانها وسيطرتها على أتباعها ، إلا أن مطامع رجالها لم تزل تتزايد وتتسع ، فأصدروا صكوك الغفران التي عادت عليهم بمزيد من الأرباح (2).( راجع لأبن محمد عبد الله الترجماني الميروقي ، تحفة الأريب في الرد على أهل الصليب ، دراسة وتعليق عمر وفيق الداعوق ، ص 169 ـ 171 . ونورمان كانتور ، العصور الوسطى الباكرة ـ القرن الثالث / التاسع الميلادي ترجمة وتعليق الدكتور هاشم عبده هاشم ، ص 143 ـ 145 ، والدكتور قاسم عبده قاسم ، ماهية الحروب الصليبية ، ص 33 .)
ولقد نقل ويل ديورانت عن أحد المعارضين ـ وهو كاثوليكي ـ المساوئ التي نتجت عن فرض صكوك الغفران فقال :
إن المساوئ ذات الصلة بصكوك الغفران تنشأ كلها تقريباً من سبب واحد وهو أن المؤمنين بعد أن يشهدوا مراسم التفكير وهي الشرط المقرر المعترف به لنيل المغفرة ، يتطلب أن يقدموا من المال ما يتناسب مع ثرائهم وبذلك أصبح المال الذي يؤدي للأعمال الخيرية وهو الذي يجب أن يكون من للأعمال الخيرية وهو الذي يجب أن يكون من الأعمال النافلة التي لا يلزم بها إنسان ، أصبح هذا المال في بعض الحالات هو الشرط الأساسي لغفران الذنوب .. وكثيرا ما أصبح المال لا العمل الصالح هو الغاية المقصودة من الغفران ولسنا ننكر أن العبارات التي صيغت فيها قرارات البابوية يخيل إلى الإنسان معها أنها لا تحيد مطلقا عن عقائد الكنيسة وأن الاعتراف والندم والأعمال الصالحة المنصوص عليها في هذه العقائد هي الشرط الأساسي لنيل المغفرة ، إلا أن الجانب المالي كان يبدوا واضحاُ في جميع الأحوال وكان للهبات المالية المقام الأول في هذا الأمر كله مما يسربل الكنيسة بالعار ويجعلها مضغة في الأفواه . اتخذت صكوك الغفران شيئاً فشيئاً صورة الصفقات المالية ، وأدى هذا إلى الكثير من النزاع بين السلطات الزمنية التي كانت تتطلب على الدوام حظها من هذه الموارد . ولا يقل عن بيع صكوك الغفران دلالة على حب الكنيسة للمال قبولها أو طلبها المال أو الهبات أو الوصايا نظير تلاوة الأدعية والصلوات التي يقولون أنها تقصر المدة التي تقضيها روح الميت في المطهر لتعاقب عن ذنوبها وكان الصالحون الأتقياء من الناس يخصصون من أموالهم جزءاً كبيراً لهذا الغرض لتنجو به روح قريب لهم أو ميت فارق الحياة الدنيا أو ليقصروا المدة هم أنفسهم في المطهر بعد موتهم أو يلغوها إلغاءاً تاما . ولهذا أخذ الفقراء يشكون من أن عجزهم عن أداء الأموال نظير الأدعية والصلوات أو لابتياع صكوك الغفران يجعل الأغنياء على الأرض لا الوادعين هم الذين يرثون ملكوت السموات ، ولقد كان كوليس حصيفاً حين أمتدح المال لأن (من يمتلك المال يستطيع نقل الأرواح إلى الجنة ). (ويل ديورانت ، قصة الحضارة ، ترجمة الدكتور عبد الحميد يونس ، م6 ، ج1 ، ص 51 ، 52 ) .


__________________________________________________

الفرق بين الله ويسوع
ان احد الاستنتاجات الواضحة من العلاقة بين الرب والمسيح ، نجدها في رسالة بولس الى تيموثاوس [ 2 : 5 ] فهو يقول : (( لانه يوجد اله واحد ووسيط واحد بين الله والانسان يسوع المسيح ))
ان التمعن في هذه الكلمات المشار إليها اعلاه ، يوصلنا الى الاستنتاجات التالية:-
لانه يوجد إله واحد فقط ، فلا يمكن ان يكون المسيح إله . واذا كان الأب هو الرب ، والمسيح هو رب أيضا، فسوف نكون أمام إلهين . (( لكن لنا إله واحد وهو الأب )) [ الرسالة الاولى الى اهل كورنثوس 8 : 6 ]. لذلك كان من غير المعقول ان يكون هناك كيان آخر ، يسمى ( الله الابن ) كما يزعم أصحاب مقولة الثالوث الكاذبه. (( أليس لنا أب واحد لكلنا ، أليس إله واحد خلقنا )) سفر ملاخي [ 2 : 10 ]
ونجد في العهد القديم أيضاً وصف مماثل ( ليهوه ) بأنه رب واحد وهو الأب : اشعياء [ 63 : 16 ، 64 : 8 ].
فبالاضافة الى هذا الرب الواحد ، يوجد وسيط . انه الرجل يسوع المسيح ((...و وسيط واحد...)) و لاحظ عزيزي القارىء أن حرف الواو ( و ) يشير إلى ان المسيح يختلف عن الرب .
وأن المقصود بـ (( الوسيط )) هو ان المسيح يتوسط بين الانسان والرب . ولا يعقل ان يكون الرب وسيطاً وانما يجب ان يكون انساناً ذو طبيعة انسانية . وان قول بولس : (( الانسان يسوع المسيح )) لا يترك مجالا للشك في صحة هذا التفسير.
ورغم ان المسيح كان (( ابن انسان )) . وقد جاء في العهد الجديد ذكره مرارا بـ : (( الانسان يسوع المسيح )) . الا انه سمي (( ابن العلي )) [ انجيل لوقا 32:1 ] و بما ان الله هو (( العلي )) فتكون له وحده العلياء الاختياري . وبما ان يسوع هو (( ابن العلي )) فهذ يعني انه لا يمكن أن يكون الرب بذاته. وان الاستعمال اللغوي للاب والابن عن الرب وعن المسيح ، يوضح انهما ليسا ذات الكيان. في حين يتشابه الابن مع أباه الا انهما لا يمكن أن يكونا ذاتاً واحدة .
وقد جاءت في الاناجيل فروق واضحة بين الله والمسيح ، وهذه الفروقات تظهر بكل وضوح بأن يسوع لم يكن الرب بذاته :-
_ كتب يوحنا في [ 3 : 35 ] : (( الآب يحب الابن وقد دفع كل شيء في يده ))
فلا يمكن أن يكون الابن إله أزلي مساوي للآب في كل شيء والآب هو الذي دفع بيد الابن كل شيء.
_ وجاء في يوحنا كذلك الاصحاح الخامس قول المسيح : (( الحق اقول لكم ، لا يقدر الابن أن يعمل من نفسه شيئاً إلا ما ينظر الآب يعمل ))
وهنا نجد ان الابن لا يقدر ان يعمل من نفسه شيئاً .
_ وأورد يوحنا في [12 : 49 ] قول المسيح : (( لم أتكلم من نفسي ، لكن الأب الذي أرسلني ، هو أعطاني وصية ماذا أقول ، وبماذا أتكلم ))
وهنا يصرح الابن بأنه لا يتكلم من نفسه بل الآب الذي أرسله هو الذي أعطاه الكلام وأوصاه ماذا يقول !
ونجد الابن نفسه يصرح قائلاً : (( والكلام الذي تسمعونه ، ليس لي ، بل للأب الذي أرسلني )) يوحنا [ 12 : 24 ]
فأي عاقل يقول بعد هذا ان الابن مساوي للأب ؟
_ وقد جاء في أعمال الرسل [ 1 : 7 ] : قول المسيح (( ليس لكم أن تعرفوا الأزمنة والاوقات التي جعلها الآب في سلطانه ))
فقد نفى الابن عن نفسه السلطان وأثبته للآب !
_ (( لأن الله غير مجرب )) [رسالة يعقوب 1: 13 ] و المسيح (( مجرب في كل شيء مثلنا )) [الرسالة الى العبرانيين 4 : 15 ].
_ الله لا يمكنه ان يموت و المسيح مات ثلاثة ايام كما يزعمون .
_ ولا يمكن للناس ان يشاهدوا الرب (( الله لم ينظره أحد قط )) يوحنا [ 1 : 18 ] وقد شاهد الناس المسيح .
_ قال بولس عن يسوع المسيح في رسالته إلى العبرانيين [ 1 : 4 ] : (( بعدما صنع بنفسه تطهيراً لخطايانا ، جلس في يمين العظمة في الأعالي ، صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسماً أفضل منهم ))
وهنا نسأل أليس في قول بولس أن المسيح صار أعظم من الملائكة دليل على أن المسيح لم يكن أعظم منهم ثم صار أعظم منهم ؟ فلو كان يسوع المسيح هو الله ، فكيف يصير أعظم من الملائكة ؟

__________________________________________________

مغالطات وافتراءات نصرانية
من العجب بعد وضوح الادلة القرآنية الدالة على تكفير من يعتقد بألوهية المسيح وكفر من يقول ان الله ثالث ثلاثة : ( أب وابن وروح قدس )
نرى واحداً من هؤلاء المتطفلين وهو القمص باسيليوس يذكر شدة الشبه بين البسملة الاسلامية ( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، بالبسملة المسيحية : ( بسم الأب والابن والروح القدس )
ويشاركه في هذا الرأي المسيحي : حبيب سعيد .
وهو لاشك ادعاء باطل ، لأن لفظ الجلالة ( الله ) علم على الذات الإلهية والرحمن والرحيم صفتان له .
وقد تولى الشيخ القرافي في أجوبته الرد على هذا المدعي ، وعلى أمثاله فيقول : وأما في القرآن من بسم الله الرحمن الرحيم ، فتفسيركم له غلط وتحريف ، كما فعلتم في الإنجيل ، لأن ( الله ) تعالى عندنا في البسملة معناه : الذات الموصوفة بصفات الكمال ونعوت الجلال ، والرحمن والرحيم وصفان له سبحانه وتعالى باعتبار الخير والإحسان الصادرين عن قدرته . فالرحمن معناه : المحسن في الدنيا والآخرة لخلقه بفضله . والرحيم معناه : المحسن في الآخرة خاصة لخلقه بفضله .
وأما النطق والحياة ، فلا مدخل لهما في الرحمن الرحيم ، بل هو تحريف منهم للقرآن . وإذا بطل المستند في الإنجيل والقرآن حرم هذا الإطلاق .
فإطلاق الموهمات لما لا يليق بالربوبية يتوقف على نقل صحيح ثابت عن الله تعالى ، وليس هو عندكم ، فكنتم عصاة بهذا الإطلاق .
وللأستاذ محمد مجدي مرجان رأي آخر في الرد على إدعاء القمص باسليوس ، ومن هو على شاكلته حيث يقول : " نحن إذا تابعنا هذا الرأي فإنه يمكن الاستدلال من القرآن ليس فقط على التثليث ، بل أيضا على التسبيع ، ووجود سبعة آلهة ، وليس ثلاثة . وذلك بما ورد في أول سورة ( غافر ) : (( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم ، غافر الذنب ، وقابل التوب ، شديد العقاب ، ذي الطول )) . الآية .
بل يمكن أن يجرفنا الزيغ والضلال فنقرر أن القرآن يثبت وجود سبعة عشر إلها ، وذلك بما ورد في آخر سورة الحشر التي جاء بها سبعة عشر اسما من أسمائه الحسنى .
ثم ان المسلمون لا يقولون بسم الله و الرحمن و الرحيم بل يقولون بسم الله الرحمن الرحيم .
ثم بعد تخرصاته هذه وهرطقاته ، وادعاء اعتناق الإسلام لعقيدة التثليث – بعد ذلك يقرر عدم فهمه وإدراكه لحقيقة الثالوث فيقول :
" أجل إن هذا التعليم عن التثليث فوق إدراكنا ، ولكن عدم إدراكه لا يبطله " .
وكفى دليلا على فساد هذه العقيدة وتفاهتها وبطلانها عدم فهم أصحابها ومعتنقيها لها .
ويشرع كاتب ثالوثي آخر في محاولة لإثبات الثالوث ، والبرهنة عليه من القرآن ، ولكنه بطريقة أخرى مغايرة لطريقة القمص باسيلوس . ذلك هو الأستاذ " يس منصور " حيث يقول :
إن الإسلام يذكر حوالي تسعا وتسعين اسما لله ، أي أن صفات الله الحسنى نحو تسع وتسعين صفة . وهذه الصفات متباينة ومختلفة تناقض إحداها الأخرى ، بحيث لا يمكن التوفيق بينها في الذات الواحدة إلا إذا آمنا بالتثليث . فمن أسماء الله الحسنى :
الضار المنتقم ، ومنها العفو الرؤوف ، ومنها القدوس البار .
ويستطرد الكاتب متسائلا : كيف يكون الله منتقما وغافرا معا ؟
فالمنتقم يدل على انتقامه من المذنب انتقاما بلا تساهل ، أما الغفور فيدل على تبريره للمذنب تبريرا شاملا . ويضيف قائلا :
أنه لا يمكن التوفيق بين هذه الصفات المتناقضة إلا بالقول بالتثليث .
ويعلق الأستاذ محمد مجدي مرجان على قول يس منصور هذا بقوله – متهكماً - :
" يعني كاتبنا ( الألمعي ! ) أن نقوم بتوزيع أسماء وصفات الله الحسنى على أفراد الثالوث الإلهي ، بحيث يكون لكل أقنوم أو إله من آلهة الثالوث عدة أسماء وصفات متوافقة مع بعضها ، وأن اختلفت مع أسماء وصفات الإله الآخر . فيكون الله الأب مثلا هو الضار المنتقم ، ويكون الله الابن هو الرؤوف الغفور ، ويكون الله الروح المقدس هو القدوس البار .
وهذا هو عين مذهب الثنوية الذي كان منتشرا في بلاد الفرس القديمة إبان الوثنية ، والذي كان يقسم الآلهة إلى قسمين متعارضين كل إله منها يحمل صفة مناقضة لصفة الإله الآخر . فهذا إله الخير ، وذلك إله الشر .. وهذا إله الحرب ، وذاك إله السلام .. وهكذا .
لقد أخفق ( يس منصور ) من حيث أراد النجاح ، وهوى من حيث أراد الارتقاء .
ومن حيث المبدأ فالإسلام يبطل التثليث – كما قدمنا – بحجج كثيرة ، ويكفر النصارى باعتقادهم إياه وأعتقادهم ان المسيح هو الله ، فكيف يقال : إن التثليث يمكن أخذه من القرآن ، بينما أن معظم آيات القرآن الكريم إنما جاءت لتأصيل التوحيد في مواجهة الوثنية والثنوية والتثليث ، وغيرها من العقائد الباطـلة ؟
ولا أدرى كيف يدل تعدد أسماء الله الحسنى على التثليث ، وهي ليست ثلاثة أسماء ، بل يبلغ مجموعها عشرات الأسماء ، كما هو معروف ؟ .
والواقع أن عقيدة الإسلام فيما يتعلق بأفعال الله : أنه سبحانه وتعالى فاعل مختار ، أي أنه مريد لأفعاله ، لا تصدر عنه بالإيجاب . ولهذا تعددت أفعاله تبعا لإرادته ، فلم يكن ذا فعل واحد ، أو ذا أفعال لها وجه واحد – كما هي العقيدة الثنوية في أنها تقصر الخير على إله ، والشر على إله آخر – فهو خالق كل شئ في هذا الوجود ، وهو الفعال لما يريد ، يعطي ويمنع ، ويخفض ويرفع ، ويقبض ويبسط ، ويعاقب ويغفر ، ويعز .. وكل ذلك منه سبحانه وتعالى خير وحكمة .
وهكذا تتعدد أفعاله ، وتتعدد صفاته ، وتتعدد أسماؤه . ولا محالة في أن تجمع الذات الإلهية بينهما جميعاً مهما كان بينها من تناقض ، ما دام فعله سبحانه وتعالى لا يجمع بين النقيضين في موضوع واحد ، تتم فيه شروط التناقض .
فأي محال في أن يغفر لهذا ، ويعاقب هذا ؟ بل وأي محال في أن يعاقب إنسانا ، ثم يغفر له بعد ذلك ، ويدخله الجنة ؟
وهكذا يمكننا أن نفهم تعدد أسماء الله الحسنى على اختلاف ما بينها وأن نفهم تعدد أفعاله على اختلاف ما بينها ، ما دام الفعلان المتناقضان لا يتحدان موضوعا ، أو محمولا ، أو زمانا ، أو مكانا .. الخ أي لا يتحدان في النسبة الحكمية بين موضوع الفعل ومحموله .
فالله الفاعل المختار واحد ، يفعل بإرادته كل فعل تقتضيه حكمته ، وليس ذاتا موجبة لأفعال معينة ، وكمالات الفاعل المختار على هذا النحو تبدو في تعدد أسمائه وأفعاله ، وليس في هذا التعدد ما يوجب توزيعها على آلهة متعددة أو على آلهة مختلفة ، لا إلهين اثنين ، ولا آلهة ثلاثة ، ولا أكثر من ذلك . وقيامها بالذات الواحدة أمر مفهوم على نحو ما قدمناه . وهذا هو مقتضى الكمال الإلهي ومقتضى التوحيد
.

ليست هناك تعليقات: